الحمد لله الذي أمست له الوجوه ذليلة عانية وحذرته النفوس مجدة ومتوانية ذم الدنيا إذ هي حقيرة فانية وشوق لجنة قطوفها دانية وخوف صرعى الهوى أن يسقوا من عين آنية , أحمده حمد من لارب له سواه وأشكره على جزيل فضله وعطاياه , وأشهد أن الحلال ماأحله والحرام ماحرمه والدين ماشرعه.
وأصلي وأسلم على خير من صلى وصام ووقف بالمشاعر وطاف بالبيت الحرم نبينا محمد خير الأنام عليه من ربي أفضل الصلاة والسلام.
أيها الأخوة في الله:
من الذي يبسط يده في الليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده في النهار ليتوب مسيء الليل ؟
من الذي ينادي في كل ليلة هل من تائب فأتوب علية، هل من مستغفر فأغفر له ؟
من الذي ينادي: يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني لغفرتها لك ولا أبالي ؟
من الذي ينادي : يا عبادي إنكم تخطئون في الليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني اغفر لكم ؟
من الذي ينادي: ( يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ).
من الذي يرحم التائبين ويشملهم بعفوه ومغفرته وهو خير الغافرين ؟
من الذي عجت ببابه الأصوات فلهجت بالمعذرة والمسائل والحاجات فكان الله ولم يزل بها رحيما ؟
أيها الأخوة في الله:
يغفر الله للعبد ذنوبه ويستر له عيوبه، يغفر الله وهو خير الغافرين، ويرحم الله وهو أرحم الراحمين.
يغفر الله للعباد مغفرة لا تدع للعبد ذنبا صغيرا ولا كبيرا إلا محته، وتلك المغفرة التامة، مغفرة لما تقدم وما تأخر غفرها الله لنبيه عليه الصلاة والسلام: ( لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً).
يغفر لله للعبد ذنبه فلا يبقي له خطيئة أبدا.
جاء عثمان رضي الله عنه وأرضاه إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وهو يحمل الذهب والفضة، فصبها في حجر النبي (صلى الله عليه وسلم) صدقة لوجه الله، فنزل الوحي على رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فأخذ الذهب بيديه، وقلبه بكفه فقال: ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم.
وجاء حاطب ابن أبي بلتعة فوقف على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في قصته المشهورة وكتابه لأهل مكة، فقال عمر رضي الله عنه وأرضاه:
يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق.
فقال (صلى الله عليه وسلم):
دعه يا عمر، وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم.
يغفر الله للعبد مغفرة تامة كاملة فلا يبقي له ذنبا ولا خطيئة، وبذلك يمشي على وجه الأرض مبشرا بالجنة.
يغفر الله للعبد ذنوبه فيرحمه إذا رحم خلقه:
مرت بغي من بغايا بني إسرائيل، كانت على المعاصي والفجور، فمرت على كلب يلهث الثرى فانكسر قلبها وأرادت أن ترحمه، فنزلت إلى البئر فملأت خفها ماء وسقت الكلب فشكر الله لها فغفر ذنوبها.
ومر رجل على غصن شوك في طريق المسلمين، فلما رآه قال والله لأنحينه عن طريق المسلمين لا يؤذيهم، فزحزحه عن طريقهم فزحزحه الله عن نار جهنم وغفرت ذنوبه.
الله أكبر إذا غفر الله لعبده، والله لا يُسأل عن أمره، ولا يعقّب في حكمه سبحانه وتعالى.
أيها الأخوة في الله , يقف العبد بين يدي الله، يقف العبد بين يدي سيده ومولاه، يناديه رباهُ رباه، يناديه بعد الذنوب والخطايا، والعيوب والرزايا.
وقد أيقضت مضجعه وآلمته وأكربته فلم يجد ملجأ ومنجى إلا إلى الله، فيقف بين يدي الله وقد أحزنته ذنوبه وأهمته عيوبه وأسرته خطاياه بعد أن ذهبت اللذة، وانقضت الشهوة وأعقبها العذاب والهوان، وأصابته بلية المعصية:
من فقر في يديه.
وسوء في حاله.
ومرض في بدنه.
وأحاط به ضيق المعاصي.
آلمته وأقضت مضجعه ,أقلقلته، عندها نظر يمينا وشمالا.
فإذا بالنفس الأمارة بالسوء قد خذلته، وإذا بالشيطان المريد قد خذله، فلم يجد إلا ربه لكي يقف بين يديه معتذرا، ويقف بين يديه نادما تائبا منكسرا.
فينادي ربه من صميم قلبه وفؤاده، وهو يعتقد أن لا أرحم من الله بخلقه.
ينادي ربه وهو على يقين أن الله أحلم وأرحم، وأن الله أوفى وأكرم، وأنه وإن كانت ذنوبه كبيرة فالله أكبر من كل شيء، وإن كانت عيوبه كثيرة فالله أرحم وهو الغفور الحليم.
فوقف بين يدي الله منكسرا، أسيرا حسيرا كسيرا مؤمنا بربه موقنا برحمته، فيناديه:
يا ربِ يا رب، وإذا بالله جل جلاله لا ينظر إلى ما مضى من إساءته ولكن يفرح بإنابته وتوبته، فتفتح أبواب السماوات وتصعد الكلمات والدعوات، فتنتهي إلى ما شاء الله أن تنتهي، فينادي أرحم الراحمين، وينادي خير الغافرين:
يا ملائكتي علم عبدي أن له رب يأخذ بالذنب ويعفو عن الذنوب، قد غفرتُ لعبدي.
وقد يكون العبد أبن ستين وسبعين فيغفر له في طرفة عين، فيتولى الشيطان وهو يحثُ على نفسه التراب ويقول: يا ويلي أغويته من ستين وسبعين وغفر له في طرفة عين.
فإذا غفرت الذنوب، وسترت العيوب، وزالت الخطايا، فرح العبد بتوبة ربه عليه، ورأى بشائر فضله وإحسانه أمامه وبين يديه، رأى الكرم والجود، والحلم والرحمة فأزداد فرحا بالله، وإنابة إلى الله، وثقة بالله جل جلاله، وأصبح لسان حاله يقول:
يا رب أسئت في ما مضى فأحسن لي في ما بقي من عمري، وأحسن لي في ما بقي من أجلي.
فتغشته سحائب المغفرات، وأفاض الله عليه جزيل وجميل الرحمات، ففتح في وجهه أبواب البر، فانطلق ذلك العبد الموفق إلى أبواب الخير والطاعات فرحا بتوبة ربه عليه، وإنابته وإحسانه إليه، فإذا أراد الله عز وجل أن يسعده أراه بدل له سيئاته حسنات.
الله أكبر، إذا بدلت الذنوب، وبدلت الخطايا والعيوب، بدلت حسنات من أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين وخير الغافرين سبحانه وتعالى.
أيها الأخوة في الله:
من بيننا وبين الله؟ من الذي بيننا وبين ربنا؟
ليس بيننا وبين الله أحد، ليس بيننا وبين الله ترجمان ولا حجاب ولا جن ولا إنسان، يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار.
يناديه العبد بالذنب لا يعلمه إلا هو سبحانه الرب، فيستره ويرحمه في الدنيا والآخرة.
عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال:
إن الله يدني العبد يوم القيامة ثم يلقي عليه كنفه ثم يكون في ستر لا يسمع ما يقول إلا الله وحده لا شريك له فيقول له:
يا عبدي عملت كذا وكذا يوم كذا وكذا.
فيقول نعم يا رب.
فيقول عبدي عملت كذا وكذا يوم كذا وكذا.
فيقول نعم يا ربي، حتى إذا كشفت العيوب وكشفت الذنوب، وأشفق العبد على نفسه.
قال الحليم الرحيم، عبدي سترتها عليك في الدنيا وها أنا أسترها عليك اليوم، فيستره الله بستره، ويشمله بعفوه ومغفرته، ويدخله الجنة.
ليس بين العبد وبين الله أحد، لا يستطيع أحد أن يحرمك من رحمة ربك، ولا يستطيع أحد كائن من كان أن يقفل أبواب فضل الله عليك..
اختار الله منك الندم والشجى والحزن والألم على ما سلف وكان من العصيان لكي يشملك بعفوه.
لا أسعد من اللحظة التي يحس الإنسان فيها أن ربه قد تاب عليه، ولا أسعد من اللحظة التي ينكسر فيها العبد لربه وسيده، تلك اللحظة التي يتمناها.
ولو سألت التائب عن أسعد لحظة مرة عليه في عمره، قال اللحظة التي تبت فيها إلى ربي.
ولو سألت عبدا صالحا عن أسعد لحظة مرة به في حياته، قال حينما رحمني الله بالإنابة إليه، وفي ذلك كله عز الدنيا وسعادتها.
وفي ذلك كله أنس من الوحدة وتبديد لها.
من تابَ تاب الله عليه، ومن أناب إلى الله أحبه الله وآواه.
يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني.
يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وأنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئا.
يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وأنسكم وجنكم كانوا على اتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا.
يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني.
يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن جد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه
ومن علم أن الذنوب شؤمها عظيم، وبلائها وخيم وعاقبتها سيئة:
فكم من ذنب قاد إلى حرمان الرزق.
وكم من ذنب أظلم به القلب.
وكم من ذنب طمست به البصيرة.
وكم من ذنب فسدت به العيال.
وكم من ذنب ذهبت به الأموال.
وكم من ذنب كان سببا في سوء الخاتمة والعياذ بالله وسوء الحال
اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى أن تهدي شباب وبنات المسلمين وتقبل التآئبين ونوذ بك من الشيطان الرجيم.
اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى، يا إله الأولين والآخرين، ويا أرحم الراحمين، نسألك أن تسبغ شآبيب رحماتك على قبور آبائنا وأمهاتنا.
اللهم أشملهم بعفو منك وبر، نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى أن لا تدع واحدا منهم ضيقا في قبره إلا أفسحت له فيه وزدته نورا وفرحا وسرورا.
يا أرحم الراحمين اللهم اجزهم عن إحسانهم إلينا إحسانا، اللهم أحسن إليهم كما ربونا صغارا.
اللهم لا يغرف معروفهم إلا أنت، ولا يجزي إحسانهم أحد غيرك، اللهم أجعل درجاتهم في المهديين، واخلفهم في عقبهم في الغابرين، ونر لهم قبورهم وأفسح لهم فيها يا أرحم الراحمين.
اللهم ومن كان منهم حيا فأحسن خاتمته، وأطل في الطاعة أجله، وبارك في عمره وقوله وعمله يا رب العالمين، وأجزهم عنا خير الجزاء وأحسنه يا أرحم الراحمين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد